جمعية نهضة مدينة أطار

الترغيب في إحياء،  المديح النبوي المعروف بابن المهيب ..ضمن نشاطات مهرجان المدن القديمة  

( طرب أندلسي من  التراث الموريتاني المنسي ) 

عبد القادر  ولد  محمد  

وزير سابق 

لا نقصد في هذا المقال الخوض في تاريخ عادة أو عادات المديح النبوي بهذه الربوع و لا في أصوله الراسخة مذ القدم في الحضارة الإسلامية ولا في التداعيات  الفقهية المتعلقة بالسماع و اختلاف المذاهب و الطرق حوله إحكامه و لا يتعلق الامر هنا بدراسة جوهرية لهذه الظاهرة الأصيلة التي تحتل بشقيها العلمي و الشعبي الصدارة في المخيلة الجماعية للشعب الموريتاني بجميع اطيافه فالموضوع كما هو معلوم يتسع لدراسات معمقة و متعددة الأبعاد لأنه يشكل مما لا ريب فيه حقلا دراسيا خصبا للباحثين و لغيرهم من الكتاب و المختصين و المهتمين. و إنما قصدنا - و الله من وراء القصد - هو الإدلاء بشهادة هادفة مكللة باقتراحات عملية بغية التنبيه على جزئية من طقوس المديح النبوي غيبها النسيان الجماعي في أعقاب التحولات الجذرية التي شهدها المجتمع الأهلي في ظل الدولة الوطنية و طالها  الإهمال الرسمي في مجال السياسات العمومية المعتمدة على وجه  الخصوص  بميدان الثقافة.. 

من وحي كتاب الوسائل المتقبلة.. 

و قد تبلورت الفكرة الأساسية التي نود استعراضها بالتفصيل في السطور   الآتية  عند  وقوفنا       على نسخة  قديمة  في مكتبة أهلية منسية من كتاب الوسائل  المتقبلة في  مدح  النبي  صلى   الله  عليه  وسلم   لصاحبه  الوزير  الفاضل  أبي زيد  عبد الرحمان  ابي سعيد  يخلفتن ابن أحمد  الفزازي الأندلسي  مع  تخميسه  للشيخ  الإمام  أبي بكر محمد  ابن  المهيب  .. 

و تجدر  الإشارة إلى أن   هذا  الكتاب  الذي  عرف قديما   في    بلادنا  باسم  ابن مهيب  او  ابن وهيب  يقع في ١٩٢ صفحة و   يحتوي على  القصائد العشرينيات  التي نظمها الشيخ الفقيه ابو زيد  الفازازي على حروف المعجم  و   تليها   قصيدة   السابقات  الجياد  في مدح سيد  العباد و  كذالك  قصيدة  للأديب ابن جابر  الأندلسي في  مدح  النبي صلى   الله  عليه وسلم  مع  التورية  بسور القران  وهي قصيدة  تعد  من  غرر  القصائد   .
 كما يعتبر  هذا  الكتاب  إضافة إلى بردة البوصيري الشهيرة  من  المراجع  الأساسية  في  المديح  النبوي في موريتانيا. 
 و قد لقي قبول  الأهالي و حفظت  أجيال متعاقبة     مضمونه  او جله . 

و  يعد انشاده    عادة مأثورة  دأب عليها  أهالي  المدن القديمة  كشنقيط  و ولاته و تيشيت  ووادان   كما  ان  المديحيات  التي  تضمنها  الكتاب  المذكور  معروفة  لدى الأسر العلمية و  غيرها من    أوساط  المعرفة  في البوادي و القرى. 

و بما ان عادة المديح النبوي بشقه العلمي بدأت تندثر في  المدن القديمة بعد  هجرة  الأهالي  فإن المهرجان الثقافي الذي  تنظمه  وزارة الثقافة سنويا  مقام مناسب   لإحيائها وذلك لما  تكتسي   من  أهمية  في  تراثنا  الوطني و في هذا السياق   تتعين  المحافظة  عليها  و  تطويرها  ضمن  الاهتمام  بالموروث  الثقافي  و الفني  للبلد . 

فيمكن  القول  بان  المدائح المذكورة   تمثل من خلال نبرتها و بالمقارنة مع ما يوجد في دول المغرب العربي نسخة موريتانية من سماع أندلسي أصيل    منسية  و مهملة    و   لها  ان  تحظى   باهتمام  الفنانين  و  القائمين  على   الشأن  الثقافي و ان تتغنى بها  اكثر  من  فرقة  فنية  موريتانية . 

من عمل أهل المدن القديمة
 

هذا و  قد أدركنا  ذكر الجيل الذي كان يجعل من المديح النبوي عادة حميدة في مسجد أطار العتيق حيث دأب الأوائل على إقامة  سهرات   ينعشها كبار المداحين من أمثال محمد عبد الله ولد اعبيدي و أبناء النحيب محمد و محمد عبد الله و محمد سالم ولد يحي و احمد ولد دنان و لد الأحول و غيرهم من المشايخ الحفاظ  الذين حافظوا على تلك العادة  و ربوا الأجيال   عليها و علموا الإنشاد    بطرق    مختلفة   تسمى  " الضربات " و اشتهر بعضهم  بإتقانها  و بالتفنن في ختمته  كتاب  " ابن مهيب "   بجميع  احرفه 

بكافة ضروبه   كالمرفوعة      " و الوافية "  و   " الحافيه " و  " الممسكنة   " امسيكينه  "   آلخ .  و أحيانا   يشفعونه بالبردة   و بمدائح أخرى   خصوصا في موسم المولد النبوي الشريف كقولهم  انشادا: 

نعم الرسول المهتدي * هو الحبيب محمد 

أهلاً بشهر المــولد *شـهـر النبـي الأمجد 

أتـى بسعد الأسـعد * خير الـــورى محمد   

و هكذا صار مديح ابن مهيب على مدى عقود خلت عادة من عمل اهل مدينة أطار المأثور و علما تتميز به فرقة من جماعة أهل المسجد توارثته كابرا عن كابر و أذكر في هذا المقام أن جماعة من الدعاة احتجت  ذات مرة في حضرة فضيلة الإمام بداه و لد البوصيري لما قام أحد أواخر عمالقة المديح بإنشاد ابن مهيب لبعض أقرانه  الموجودين   حينها في باحة مسجد  لكصر  القديم   و  رأت الجماعة في ذلك  بدعة    فقال لهم  الإمام  بداه  ما مفاده  : دعوهم  فلأهل  أطار   خصوصيتهم. 

و قد  ورد ذكر   تلك العادة   التي  دأب  عليها الأهالي   خصوصا   في  ليالي أسبوع المولد النبوي الشريف في أبيات  للعلامة الأديب المختار بن حامد  حيث قال :   

ليالي في اطار بلا مشيب ## اري الخلان في الاسم العجيب 

بمدح المصطفي ليلا تماماً  ##  ببردة شرفت وابن وهيب 

ويفرح باسم طه كل طفل .. ## و شيخ بين   اودية مهيب 

علي اطار كلهم سلام. .## . وآمن في الشروق و في المغيب 

و معلوم أيضا أن مديح ابن مهيب عرف ازدهارا مذكورا   في مختلف المدن الموريتانية القديمة حيث كان الأهالي ينظمون سهرات  المولد ليلة الثاني عشر من ربيع الأول و يحتفلون في الصنيع والدعوة وإنشاد الشعر وفقا لعرف إحياء ليلة المولد النبوي باعتباره عيدا كعيدي الفطر والأضحى وفقا لما كان عليه الأمر في عهد الأندلس الإسلامي .     

و في وصف ذلك يقول الشيخ بدي ولد سيدين  قصيدة بعث بها لأهل شنقيط: 

ويعجبني منكم تحلق فتية ##  على حرف ورش تقرأ الحزب بالفجر 

وأخرى عشاء تنشد ابن مهيب ##  وميمية البصيري نادرة الشعر 

تعاطي مديح المصطفى كل ليلة ##  معاطاة كأس من معتقة الخمر 

فيهتز مني القلب عند سماعها ##  كما اهتز مقصوص الجناح إلى الوكر 

هنالك لا أبغي ترنم منشد ## ولا قينة تحنو البنان على وتر 

فأعطيتمو شهر الربيع حقوقه ##  جزاكم به الرحمن في موقف الحشر 

و قد حافظت  أسر   منحدرة   من مدينتي شنقيط و اطار   على هذه  العادة   في ترحالها  إلى المدن الأخرى  و مازالت إلى حد الآن    تقيم على نهج  السلف  بمناسبة المولد النبوي    جلسات  مديحية في  البيوت ..  

و   معلوم أيضا أن   أداء  المديح  العلمي  احتل مكانة مرموقة  في  ولاته  خصوصا  ايام الاحتفال بالمولد النبوي بالمسجد العتيق حيث يختمون  ابن وهيب . 

و قد تميزت  ولاته بتخصص    بعض الأماكن  المصممة طبقا  للفن المعماري الاندلسي  حيث تنظم حلقات  تدارس  الكتب الدينية مع   مدح حرف من ابن مهيب . 

و من تلك الأماكن الشهيرة ذكر بعضهم في نبذة عن المديح عند الولاتبين نادى كت عباس " حيث -ءابناب كت عباس وهى مصاطب للجلوس مفردها ابنب من ابداعات المعمارى الاندلسى ابو اسحاق الساحلى ت:747ه الذى استقدمه المنسى موسى ابان رجوعه من حجته المشهورة وبنى له قبة وءابنب يتوسطها فى عاصمته مالى  ءانذاك  انيانى1352م. "   

كما تميزت  مدينة ولاته  حسب  ما ورد قي نفس النبذة  بليالي خاصة   مثل  " ليلة دخول الامام: وحسابها ليلة الجمعة الأولى من شهر نوفمبر،وهى  مناسبة اقامة الصلوات الخمس داخل صفوف المسجد ايذانا بابتداء فصل الشتاء، فيمدحون حرفا من ابن مهيب " و كذلك  " ليلة خروج الإمام: وتحسب من ليلة الجمعة الأولى من ابريل حيث يمدحون حرفا من ابن وهيب " 

تسجيل ابن  المهيب   في   التراث وطني 
  

ما من شك ان حفظ هذا الموروث النفيس الذي بدأ  يندثر  مع رحيل طبقات  الحفاظ  و العارفين  به  يتطلب  تدخل سريع من الجهات المعنية  على مستوى وزارة الثقافة و قد يكون ذلك على المدى القريب  في سياق تحضير النسخة القادمة من مهرجان المدن القديمة  الذي يقام  عادة تزامنا  نع ذكرى المولد النبوي الشريف. 

و لهذا الغرض ربما  يتعبن  تشكيل  لجنة  خبراء  يعهد إليها إدراج  حلقة من   " مديح  ابن المهيب  "  في  برنامج نشاطات المهرجان المرتقب و قد يكون ذلك مناسبة لتنظيم  محاضرة علمية   حول المديح  النبوي  كما كان يمارسه الأهالي في المدن القديمة و حول السبل الكفيلة  لإحياء تلك العادات و  لحفظها كتراث وطني محمي  من طرف الدولة . 

طبعا على المدى    المتوسط و الطويل ينبغي أن يكون الهدف هو  ربط  مديح  ابن  المهيب   بمتطلبات العصر  و  بالثقافة العصرية الامر الذي يستدعي التنسيق مع   المؤسسات المختصة في الفن و الموسيقى و كذلك مع بيوت  الفن التقليدية من  أجل تسجيل مختلف ضرباته  و تدريب  فرق من صغار  قي جميع أنحاء الوطن  على حفظها و  على إنشادها . 

و مما  يسهل مثل هذه المهمة كون  الفن التقليدي  المعروف بالهول  يحافظ قي طابعه الأصيل  على صلة وثيقة مع المديح النبوي  حيث داب الفنانون  على   جعله  شاهدا  على  افتتاح حلقات الموسيقي  مباشرة بعد كلمة التوحيد  و لذلك  تتعين الاستعانة  باهل الفن التقليدي  لتسجيل  ضربات ابن المهيب.. 

ان مثل هذه المقاربة التي  تستند على البعد الثقافي لمديح  ابن المهيب  من شأنها ان تساهم  في حفظه  للأجيال القادمة  عبر  إدماجه في السماع  و  لا تتنافى  اطلاقا مع المحافظة  على طابعه الديني   خصوصا عند أدائه  في المساجد  حيث يمنع قي المشهور عندنا  إدخال الآلة . 

و هنا  يتعين  التنسيق مع    قطاع الشؤون الإسلامية  لإعداد دراسة  ميدانية  حول العادات  و الطقوس المتعلقة بالمديح النبوي الشريف  في المساجد و  في الزاويات و غيرها من التجمعات ذات الطابع الديني .

و تقتضي  المقاربة الثقافية   لفت  الانتباه على ضرورة  توثيق منهجي  لعادة المديح العلمي   و ذلك ما يتطلب جمع المناهج  المعتمدة   من طرف الأهالي و توثيق ما كتب حولها و تسجيل الروايات المتعلقة بها بالتعاون مع الباحثين في  علم التاريخ و غيره  من العلوم الاجتماعية و الإنسانية ذات الصلة بالموضوع . 

و أخيرا و ليس أخرا يتعين إدماج إحياء عادة مديح ابن المهيب في اهتمامات الدبلوماسية الثقافية للبلد و على وجه الخصوص في التعاون المتعدد الأطراف على مستوى اتحاد المغرب العربي حيث أن كافة الدول المغاربية   لديها تجارب في هذا المجال و توجد عندها فرق للطرب الأندلسي تنشد بزي   موحد  لإفرادها و في مظهر أنيق و مهيب  مختلف المديحيات المعروفة  في تاريخ الحضارة  الإسلامية بل  أن  مديح ابن المهيب نفسه  ما زال محفوظا  في منطقة توات بالجزائر  التي يبدو أن لها   من خلال ما قاله الإخباريون 

صلات وثيقة  بالمدن الموريتانية القديمة .  

و بالجملة أرجو إن تساهم هذه السطور في تنبيه كل من يهمه الأمر في جهاز  الدولة على ضرورة تطوير فن المديح العلمي في بلدنا عبر، توثيقه و تسجيله و حفظ هذا الموروث النفيس الذي يتجسد في قصائد عظيمة سارت بها الركبان شرقا و غربا و أبدع إسلاف الموريتانيين  في  حفظها و في  محاكاتها  و  في إنشادها   كما أبدعوا في قصائد  تماثلها و منها  على سبيل المثال لا الحصر  تذكر ختاما مسكا  لهذا المقال : صلاة ربي مع السلام...على حبيبي خير الأنام....

للإستفسار:info@arevat.net